المجتمع الدولي والاختفاء القسري في سوريا

 عبدالرحمن مطر 

سنوياً تزداد بشكل مضطرد حالات انتهاك الحقوق والحريات، على المستوى العالمي، للجماعت والأفراد، وبأسباب تتصل أساساً بمسألة حرية الرأي والعبادة، والتفكير واللجوء، والعمل، ويتعرض المنتهكة حقوقهم الى الاعتقال والتمييز والتصفية الجسدية، والتعذيب..وغير ذلك بسبب المطالبة بحقوقهم. وتسجل المنظمات المعنية بذلك تجاوزات كبيرة، ترتكبها الدول بشكل رئيس، يتنافى تماماً، مع التزاماتها الدولية، وفي مقدمها الشرعة الدولية لحقوق الانسان، التي تمرّ ذكراها اليوم.

وعلى الرغم من وجود آليات واضحة، في القوانين الدولية، فإن المجتمع الدولي يؤكد عجزه المتواصل، في الحدّ من تصاعد وتيرة الانتهاكات التي يرتكبها الأفراد والتنظيمات والدول، بأدوات وأساليب مختلفة، تقف المنظمات الدولية حيالها موقف المتغاضي أو الصامت، دون أن تتمكن من إدانة تلك الممارسات في الحدّ الأدنى، بسبب سياسة توازنات المصالح في مجلس الأمن الدولي، وهذا بالطبع ينسحب على اداء مجلس حقوق الانسان، لدى الأمم المتحدة بصورة خاصة، والذي يضطلع بمسؤولية مراقبة انتهاكات حقوق الانسان في العالم، وخاصة الانتهاكات الجسيمة والمنتظمة التكرار وتقديم التوصيات اللازمة لوقف مثل هذه انتهاكات أو الحد منها. ما يجب الغشارة إليه هنا أن الدول الأعضاء في الامم المتحدة، هي الأشد انتهاكاً للقوانين الدولية، وتحوز على مقعد في المجلس، والمثال الليبي، دليل ليس فقط على التغاضي عن ممارسات الدول المتعارضة كليّاً مع الاتفاقات والبروتوكولات الدولية الموقع عليها. تسلمت ليبيا رئاسة اللجنة الدولية لحقوق الانسان عام 2003، وهي – الى جانب النظام السوري –  من أشد الأنظمة ديكتاتورية واستبداداً بصورة موثقة على كل المستويات.

قاد الى ذلك – حتى اليوم- الى عدم وجود ضمانات دولية، لحماية الحقوق والحريات، فيما لا تتوفر آليات فعّالة تجبر الدول على الالتزام بتعهداتها الدولية/ القانونية. والواقع فإن سياسات الدول الكبرى الأمنية، وطرق معالجتها لملفات حقوق الأنسان، وممارساتها  ومواقفها الدولية، التي تتجاوز التزاماتها، بحيث تكون حريصة على ذلك فوق أراضيها، لكنها لا تلتزم قواعد حقوق الانسان في سياساتها وأساليب عملها خارج إقليمها، مثال الولايات المتحدة، غوانتانامو والسجون السرية، ومواقفها مما يجري في العالم..قد شجعت دولاً كثيرة على ارتكاب أبشع الإنتهاكات وارتكبت المجازر ومارست مختلف صنوف القتل والتعذيب ومارست سياسات الإقصاء والتمييز على اوسع نطاق. نسوق الولايات المتحدة  كمثال، لأنها تتقدم المجموعات الدولية – أو هكذا يفترض – في الدفاع عن الحقوق والحريات، وهو دور لا تتنطع له روسيا أو الصين وإيران مثلاً.

الحالة السورية

طوال ما يزيد على نصف قرن، دخلت سوريا نفق قانون الطوارئ، وبموجبه تم تعطيل الحياة السياسية والمدنية بشكل عام، وكذلك معظم بنود الدستوري، لصالح دور بارز للجيش وأجهزة الأمن والاستخبارات، مما قاد الى بناء منظومات سلطوية، تتجاوز القوانين الوطنية والدولية، دون أي اعتبار للالتزامات الدولية، وفي مقدمها الاتفاقيات المتصلة بحقوق الأنسان، وحماية المدنيين، ومن أهمها اتفاقية جنيف الرابعة، والبروتوكولات المحددة لكل من الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وحتى اليوم، بعد اربع سنوات على انتفاضة السوريين من أجل استرداد الحقوق وانتزاع الحريات، والغاء قانون الطوارئ، فإن النظام السوري واجه تلك المطالب بمزيد من القمع والقهر والقتل، واستبدل قانون الطوارئ بقانون مكافحة الإرهاب، تمشياً مع التوجهات الدولية بخصوص الإرهاب، ومسبغاً على النضال الوطني من اجل الحرية، صفة الإرهاب الواجب استئصال شأفته من المجتمع السوري.

وعلى رغم كل الجهود التي تبذلها منظمات سورية، و إقليمية ودولية في إطار شراكة مع منظمات سورية، أو مهنية مستقلة، فإن الأمم المتحدة، وبالطبع القوى الدولية الكبرى، لم تقم باية خطوات فعّالة لدعم تجريم نظام الأسد، و تقديم الدعم للسوريين بما يوقف الانتهاكات اليومية، أو الحدّ منها على الأقل. وقد ساهم ذلك في توسيع النظام لمدى انتهاكاته الى درجة الإبادة البشرية المنظمة. نظام الأسد اليوم يرتكب كل يوم مجزرة، ويعتقل النشطاء، ويقتل الطفال والنساء، ويشرد العشرات.

الاختفاء القسري

يعتبر الاختفاء القسري، واحدة من المشكلات الأشد تعقيداً اليوم، في الساحة السورية، ويعود ذلك الى حقبة الثمانينات من القرن الماضي، حين بدأ نظام الأسد الأب بحملة اعتقالات واسعة شملت اعضاء في تيارات وأحزاب اليسار السوري من شيوعيين وقوميين، أعضاء في حركة الإخوان المسلمين، لايزال عدد كبير منهم حتى الآن لا يعرف عنه، أو مصيره، أو مكان وجوده أي شئ. ولايزال هذا الملف مفتوحاً بما يضمه من أسماء سياسيين ومثقفين سوريين، وعرب استهدفهم النظام السوري، نتيجة مواقفهم فيما يتصل بالديمقراطية والحكم، بشكل أساسي.

في ظل الثورة السورية، برزت بشكل أوسع قضية الإختفاء القسري، فقد لجأ اليها النظام خلال الفترة التي سبقت 15 آذار2011، عبر اعتقالات تستبق أي حدث، منذ الدعوة الى يوم الغضب السوري، تلاها اعتقالات واسعة في صفوف المثقفين ونشطاء العمل المدني، بعضهم لا يزال حتى اليوم مغيباً في سجون الأسد، وكثير منهم لقى حتفه بسبب التعذيب والتنكيل الذي تعرض له. فيما انتشرت تالياً عمليات الإختطاف والتغييب  من قبل أطراف عديدة في الساحة السورية، من اطراف أساسية هي عصابات الأسد ( الأجهزة الأمنية  و منظمات الشبيحة ) وميليشيات مسلحة داخل المعارضة السورية ( الجبهة الاسلامية  كنموذج) وقوى الإرهاب الظلامية ( داعش وجبهة النصرة) .

ما يجمع هذه القوى شئ اساسي واحد هو تكميم الأفواه، وملاحقة رموز العمل المدني ونشطاؤه، وخاصة أولئك الذين يتحفظون على عسكرة الثورة، او انهم يتابعون بشدة انتهاكات حقوق الإنسان من قبل أية اطراف سورية وغيرها، أو انهم من دعاة بناء الدولة المدنية. هذا قاسم مشترك بين نظام الأسد و كل المجموعات المسلحة التي أقصت نشطاء العمل المدني، ثم منعت نشاطهم بالقوة، ثم اعتقلت او قتلت واختطفت من تبقى منهم.

يمكننا ان نذكر المجتمع الدولي، مع مرور الذكرى السنوية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بما يتوجب عليه القيام به، ليس فقط للحد من انتهاكات الحقوق والحريات واستهداف المدنيين فقط، بل وحماية نشطاء العمل المدني بصورة رئيسة، والعمل على فضح هذه الممارسات، وفي مقدمها الإختفاء القسري، وانه يتوجب اليوم إطلاق سراح المئات من الذين تم اختطافهم مثل ابو علي فائق المير، والمحامي عبدالله الخليل ود. عبدالكريم الخير، وفراس الحاج صالح، وابراهيم الغازي. محمد نور مطرومهند الفياض، ود.اسماعيل الحامض، ورزان زيتونة وسميرة الخليل ورفاقهما، الذين يمر عام كامل على اختطافهم، وكذلك اطلاق سراح فريق الأورينت، والأب باولو، والمصور عبود الحداد..وثمة العشرات غيرهم، وأولئك الذين لا نعرف أسماءهم ومصائرهم..نريد الحرية لهم جميعاً..اليوم وليس غداً.

د.الحامضع.خليلباولوع.حداد

 

أضف تعليق